حلاوة المولد.. كيف تحولت من تقليد فاطمي لمظهر للاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟

يُعد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أحد أبرز المظاهر الدينية والاجتماعية التي ارتبط بها المصريون عبر العصور، لكن ما يميّز هذا اليوم في الذاكرة الشعبية هو ارتباطه الوثيق بـ"حلاوة المولد"، تلك الحلويات التي تملأ المحلات والشوارع مع اقتراب شهر ربيع الأول من كل عام.
ولكن، كيف بدأت هذه العادة؟ ومن أين جاءت فكرة تقديم الحلوى في هذا اليوم تحديدًا؟
البداية مع الدولة الفاطمية
تعود أصول الاحتفال بحلوى المولد إلى العصر الفاطمي، وتحديدًا في القرن الرابع الهجري، عندما دخل الفاطميون مصر واتخذوا من القاهرة عاصمةً لهم عام 973 ميلاديًا. وقد حرصوا على إحياء المولد النبوي بطرق تجمع بين المظاهر الدينية والاحتفالات الشعبية، وكانت من بينها توزيع الحلوى على الناس.
وكان الفاطميون مولعين بالمناسبات الدينية، وجعلوا من الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة كبرى تُقام لها الطقوس الرسمية والشعبية على حد سواء، وقد أدخلوا الطعام والشراب والحلوى ضمن احتفالاتهم، ليس فقط كرمز للفرحة، بل أيضًا كوسيلة للتقرب من المصريين والتأثير في وجدانهم الشعبي.
دار الفطرة: مصنع الحلوى الفاطمي
من أبرز الملامح التي تركها الفاطميون في هذا السياق، إنشاء مؤسسة رسمية خاصة تُعرف باسم "دار الفطرة"، أسسها الخليفة العزيز بالله، وكانت مهمتها تحضير الحلويات والمأكولات الخاصة بكل المناسبات الدينية، مثل عيد الفطر، شهر رمضان، رأس السنة الهجرية، والمولد النبوي الشريف.
وقد احتوت دار الفطرة على عدد كبير من صنّاع الحلوى المهرة، بعضهم جاء مع الفاطميين إلى مصر، وكانوا يُعرفون بـ"الحلوانيين"، وقد بدأ العمل داخل الدار في تجهيز الحلوى قبل المناسبة بوقت كافٍ، لضمان إنتاج كميات كبيرة تُوزّع على الناس والجنود خلال الموكب الاحتفالي.
هكذا أصبحت صناعة الحلوى جزءًا من الطقس الرسمي والديني للدولة الفاطمية، وتحوّلت مع مرور الوقت إلى عادة متوارثة بين المصريين، تُحييها الأجيال عامًا بعد عام.
عروسة المولد وفارس الحصان: رموز صنعتها الحلوى
تُشير روايات أخرى إلى أن الحاكم بأمر الله، أحد حكّام الدولة الفاطمية، كان يحرص على مشاركة زوجته في موكب الاحتفال بالمولد، حيث كانت ترتدي ملابس بيضاء لافتة. هذه الصورة ألهمت صنّاع الحلوى آنذاك، فابتكروا "عروسة المولد" المصنوعة من السكر، و"فارسًا يمتطي حصانًا" تعبيرًا عن شخصية الحاكم، وتحولت هذه الأشكال إلى جزء أصيل من مظاهر الاحتفال الشعبية، وخصوصًا في القاهرة.
من الفولية والسمسمية إلى الفستقية واللوزية
مع مرور الوقت، تطورت صناعة حلاوة المولد، لكنها احتفظت بجوهرها الشعبي، لا تزال الفولية، والسمسمية، والحمصية، والملبن تتصدر المشهد، باعتبارها الحلويات الأساسية التي تربى عليها أجيال.
لكن مع تطور الصناعة وظهور أساليب جديدة في التحضير، أضيفت أصناف حديثة تحتوي على المكسرات الفاخرة مثل الفستق، والبندق، والكاجو، لتُرضي مختلف الأذواق، وتمنح الاحتفال طابعًا عصريًا إلى جانب التراث التقليدي.