Genderless Fashion صيحة الأزياء المحايدة تكتب فصلاً جديدًا في عالم الأزياء

لم يعد مصطلح “الأزياء المحايدة بين الجنسين” مجرد فكرة ثورية أو موجة عابرة، بل أصبح اليوم اتجاهًا راسخًا في عالم الموضة العالمية، يعبّر عن حرية الهوية والتعبير الفردي أكثر من أي وقت مضى. فبينما اعتاد الناس على تقسيم الملابس إلى “للرجال” و”للنساء”، جاءت الموضة الحديثة لتعلن انتهاء هذا الفصل، وتفتح الباب أمام أسلوب جديد يكرّس المساواة والجرأة والتنوّع.
ففي الماضي، لم تكن الأزياء محصورة بجنس محدد؛ ففي القرن الثامن عشر، كان الرجال والنساء يرتدون الأقمشة الفاخرة والتفاصيل المزخرفة دون أن يُنظر لذلك كخروج عن المألوف. ومع العصر الفيكتوري، بدأت الحدود بالظهور، فارتدت النساء الكورسيه وأُجبرن على شكل الساعة الرملية، فيما التزم الرجال بالبزّات الرمادية كرمز للوقار. حتى الألوان كانت يومًا ما بلا هوية؛ فاللون الوردي مثلًا كان يُعد “قويًا” ومناسبًا للأولاد قبل أن تغيّر الإعلانات التجارية هذا المفهوم في الأربعينيات.
لكن الموضة، كعادتها، لم تتوقف عن التمرّد. في السبعينيات، خرج ديفيد بوي عن كل القواعد، فمزج بين الذكوري والأنثوي في أسلوبه الغلام-روك. تبعه جان بول غوتييه الذي قدّم رجالًا يرتدون التنانير في الثمانينيات، فاتحًا الباب أمام نقاش عالمي حول حرية المظهر والتعبير.
أما التحوّل الحقيقي فجاء مع إيف سان لوران في عام 1966 عندما قدّم بدلة “Le Smoking” للنساء، مؤكّدًا أن القوة والأناقة ليستا حكرًا على جنس دون آخر. بعده، أعاد أليساندرو ميكيلي خلال فترة إدارته الإبداعية لدار غوتشي (2015–2022) تعريف مفاهيم الجمال والجرأة، حيث دمج الدانتيل والكشاكش والأقمشة الشفافة في مجموعات رجالية، مكرّسًا فلسفة الموضة السائلة بلا حدود. كما رسّخ مصممون مثل ريك أوينز وجوناثان أندرسون وراد حوراني مفهوم الأزياء التي تتجاوز الثنائية، عبر تصاميم تعانق البنية والخيال والفكر.
وفي السنوات الأخيرة، تحوّل السجادة الحمراء إلى منصة ثورية لتمثيل هذا التغيير. فظهر هاري ستايلز مرتديًا فساتين “جوتشي” وقلائد لؤلؤية على أغلفة المجلات، وأثبت أن الجمال لا يحتاج لتعريفات تقليدية. بينما كرّست تيلدا سوينتون وجانيلا موناي وبيلي بورتر وجايدن سميث مفهوم الأناقة غير المصنفة، مقدّمين عروضًا مبهرة في تحدٍّ علني للحدود القديمة.
واليوم، ومع صعود جيل زد الذي يؤمن بالهوية الحرة والتعبير الذاتي، باتت الموضة أكثر ديمقراطية من أي وقت مضى. فقد أتاح الإعلام الرقمي مساحة للجميع لعرض أسلوبهم بلا خوف أو تصنيف، في ثورة لا تعتمد على الأسماء الكبيرة فقط، بل على الناس العاديين الذين قرروا أن الأزياء ليست ذكرًا أو أنثى، بل لغة تعبير إنسانية خالصة.
وفي النهاية تتحوّل الموضة المعاصرة اليوم من كونها مرآة للجندر إلى مرآة للإنسان نفسه، لتعبّر عن شخصيته وهويته الفريدة دون قوالب مسبقة. وما نشهده ليس مجرد اتجاه مؤقت، بل ولادة عصر جديد من الأناقة بلا جنس، حيث تتحرر الملابس من تصنيفاتها القديمة وتصبح مساحة صادقة للتعبير عن الذات في أنقى صورها.



