مصممون سعوديون يسطّرون فصلاً جديداً في تاريخ الموضة العربية من قلب الرياض
في قلب العاصمة السعودية، مدينة الرياض، وبزخم من الطموح والإبداع، يكتب المصمّمون السعوديون اليوم فصلاً جديداً في تاريخ الموضة العربية، حيث يجمعون بين جذورهم الثقافية العميقة وأحدث توجهات عالم الأزياء. بدأت المملكة تشهـد تحوّلاً لافتاً في هذا المضمار، مدعومةً برؤية وطنية تعزّز الابتكار والمنتج المحلي، لتضع الرياض على خريطة العواصم العالمية للموضة.
من التقليد إلى التجديد
لطالما ارتبط مشهد الموضة في السعودية بالزيّ التقليدي، مثل العباية والجلابية، لكن المصمّمين السعوديين اليوم يعيدون صياغة النموذج. فهم يستلهمون من الإرث، سواء من النقوش أو القماش أو القصّات، ويحوّلونها إلى قطع تعبيرية تصلح للمجتمع العالمي.
على سبيل المثال، العلامة Kaf By Kaf التي تقودها السعودية كَوْثر الحُرَيش، تستوحي تصاميمها من النسيج المعماري والخطوط الهندسية، بينما تستخدم أقمشة فاخرة وتُعيد تفسير العباية في سياقات عصرية. كذلك، مصمّمة مثل Atelier Hekayat (الأخوات علياء وأبير وريّف) تجعل من كل قطعة «حكاية» ترويها عبر الأقمشة، مستوحاة من العمارة السعودية والشجر والنقوش، لتُحول الزي التقليدي إلى عمل فني يُعرض على منصّة عرض.
المنصة الكبرى: الرياض تفتتح مسرحها
لا يمكن الحديث عن هذه الحركة دون الإشارة إلى منصة كبيرة تحوّلت إلى واجهة دولية للمشهد الدمج بين الثقافة والموضة: Riyadh Fashion Week. ففي النسخة التي شهدتها الرياض عام 2024، شارك أكثر من ثلاثين عرض أزياء محلياً، وجُمعت أسماء مصمّمين سعوديين تُعد اليوم على طليعتهم. وأوضح المدير التنفيذي لـSaudi Fashion Commission أن الحدث ليس مجرد أسبوع للموضة، بل احتفاءً بالثقافة السعودية وإبراز طاقات مصمّمين يمكنهم منافسة الساحة العالمية.
وقد امتدّ التأثير خارج المملكة: مصمّمون سعوديون أصبحوا يُعرضون في باريس ولندن، وعلامات سعودية بدأت تظهر في واجهات المتاجر الأوروبية الكبرى، وهو ما عكس تحولاً ملموساً في رؤية الموضة من السعودية إلى العالم.
ملامح التغيير والتموقع العالمي
وتأتي هذه الخطوة في ظلّ بيئة اقتصادية وثقافية تشهد تحوّلاً في المملكة، يدعمه انفتاحٌ أكبر وفرصٌ دولية. مصمّمون مثل Mohammed Ashi يُعدّ من أبرز الأسماء التي خرجت إلى المستوى العالمي، إذ أصبح أول مصمّم خليجي يُدرَج ضمن أسبوع الهوت كوتور في باريس. من جهة أخرى، العلامة السعودية Nasiba Hafiz تشكّل مثالاً على النجاح المستدام، بدمجها بين التصميم المبتكر والارتقاء بالقضايا الاجتماعية والاستدامة ضمن رؤيتها.
ما يميّز هذه الحركة أيضاً هو دمج التكنولوجيا والهوية: فعروض مثل تلك التي قادتها مصمّمة مثل كَوْثر الحُرَيش لجمهور رياض أظهرت استخدامَها لتقنيات حديثة وللمفارقة في العبايات، ما يؤكد أن الموضة السعودية ليست فقط محاكاةً، بل إبداع حقيقي يُركّز على المستقبل.
وختاماً في هذا المشهد الذي يتغيّر بسرعة، يبدو أن مصمّمي المملكة قد نجحوا في رسم «خريطة جديدة» للموضة العربية، تنطلق من الرياض وتطلّ على العالم. هم ليسوا مجرد صناع أزياء، بل سفراء ثقافة، وشُركاء في صياغة هوية بصرية حديثة للمملكة. بقيادة رؤية وإمكانات محلية ترتبط بالعالم، يثبت هؤلاء المصمّمون أن الاختراق ليس مجرد حلم بل واقع، وأن «الفصل الجديد» الذي يكتبونه اليوم ليس مجرد تحديث للمظهر الخارجي لِلباس، بل إعادة تأسيس لمفهوم الموضة في المنطقة: حيث الأصالة تلتقي بالإبداع، والحرفية تتلاقى مع العالمية. وهنا، من قلب الرياض، تتقاطع الموضة مع التاريخ والطموح، لتصبح قصة نجاح تُروى وتُلهم.







