في ذكرى رحيله.. محمد رشدي أيقونة الغناء الشعبي المصري

تحل اليوم ذكرى رحيل أحد أعمدة الغناء الشعبي المصري، الفنان الكبير محمد رشدي، الذي غاب عن عالمنا في الثاني من مايو عام 2005، بعد مسيرة فنية امتدت لأكثر من نصف قرن، ترك خلالها بصمة لا تُنسى في الوجدان المصري والعربي، بصوته القوي وأدائه الأصيل الذي حمل روح الشعب وأحلامه وآلامه.
ولد محمد رشدي في 20 يوليو 1928 بمحافظة كفر الشيخ، وكان منذ صغره مولعاً بالغناء والتراث الشعبي، حيث بدأ مسيرته الفنية مبكراً، ونجح في الالتحاق بالإذاعة المصرية عام 1954، ليبدأ مرحلة جديدة من التألق والشهرة، بعد أن لفت الأنظار إليه بفضل صوته المميز وقدرته على التعبير عن المشاعر الشعبية بصدق وعفوية.

تميز رشدي عن غيره من أبناء جيله باختياره للأغاني الشعبية ذات الجذور العميقة في البيئة المصرية، فكان واحداً من أبرز من أعادوا إحياء التراث الشعبي في قالب فني حديث، واستطاع أن يدمج بين الأصالة والتجديد، مما جعله محبوباً لدى فئات واسعة من الشعب، ومن أشهر أغانيه التي لا تزال تُردد حتى اليوم: "عدوية"، "طاير يا هوى"، "كعب الغزال"، "بهية"، و"على حسب وداد قلبي".
شكّل رشدي ثنائياً ناجحاً مع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي والملحن العبقري بليغ حمدي، حيث قدما معاً مجموعة من الأغاني التي أصبحت من علامات الموسيقى المصرية، وأثّرت في أجيال متعاقبة، كما ساهم رشدي في تقديم الأغنية الوطنية والحماسية، وكانت له مشاركات بارزة في المناسبات الوطنية والقومية، فغنى لمصر وللانتصارات العسكرية، وكان صوته يملأ الشوارع في الأعياد والمناسبات.

لم يكتفِ محمد رشدي بالغناء فقط، بل شارك في عدد من الأفلام السينمائية، التي أضافت لرصيده الفني، وكان حريصاً على أن يُقدّم من خلالها صورة المصري البسيط والمكافح، وهي الشخصية التي ظلّ يحملها معه في أغانيه وأدائه حتى آخر لحظات حياته.
رغم رحيله قبل عشرين عاماً، إلا أن صوته لا يزال حاضراً في قلوب المصريين، وأغانيه تُعد مرجعاً فنياً لكل من يسعى لفهم روح الشعب المصري، وتاريخه، وهمومه، فقد استطاع أن يجعل من الأغنية الشعبية فناً رفيعاً، يتخطى حدود التسلية، ليعبّر عن الهوية والانتماء، ويُخلّد مشاعر الناس في ألحان وكلمات لا تُنسى.
في ذكرى رحيله، يتجدد الحديث عن أهمية الحفاظ على التراث الفني المصري، والعودة إلى الجذور الصادقة للفن الشعبي، كما كان يفعل محمد رشدي، الذي لم يكن مجرد مطرب، بل كان صوتاً من أعماق مصر، لا يزال يُلهب المشاعر ويحيي الحنين في كل من سمعه يوماً.
