خمس ملاحظات نقدية على فيلم انجلينا جولي الجديد Couture

رحب مؤخرا مهرجان تورنتو السينمائي الدولي الذي يعتبر الاول والاهم بين مهرجانات السينما في أمريكا الشمالية. بالنجمة أنجيلينا جولي حيث عرض لها فيلمها الجديد "كوتور" (Couture) من صنيعة الكاتبة والمخرجة الفرنسية أليس وينكور التي اختارت أن تذهب إلى أبعد من البريق الخارجي لعالم الأزياء، وأن تكشف في فيلمها الجديد عن الوجه الآخر لصناعة تُعد من أبرز أيقونات الثقافة الفرنسية وأكثرها تأثيراً على مستوى العالم.
الفيلم الذي عُرض مؤخرا ضمن فعاليات الدورة الـ50 من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في كندا، جاء ليقدم صورة مغايرة، تسلط الضوء على التوترات والضغوط النفسية والمهنية التي يعيشها العاملون في هذه الصناعة، بعيداً عن الصورة النمطية التي تحصر الموضة في كونها مجرد عالم من اللمعان والسطحية، في حين أنها في الحقيقة صناعة تدر مليارات الدولارات سنوياً وتشكل مصدر عيش لملايين البشر.
ووصفه النقاد بأن اهم ما يميزه هو أنه أول فيلم يُصوَّر داخل مشغل وكواليس دار "شانيل" الفرنسية العريقة في باريس، ما يمنحه أصالة إضافية في توثيق تفاصيل لم تجرؤ السينما على الاقتراب منها سابقاً.
وفي ظل اهتمام نقدي كبير بالفيلم، وضع اهم النقاد خمس ملاحظات على الفيلم من الناحية الفنية .
اول ملاحظاتهم هو انه لا يوجد إبداع دون انقطاع، حيث تأتي تجارب الحياة ومحنها دون سابق إنذار. الشخصيات الأساسية في الفيلم نساء يعملن في صناعتي السينما والأزياء، يواجهن ضغوطًا متزايدة وتوقعات تضحية معلقة بخيط في نسيج سرد وينوكور المتشابك بدقة.
وبينما تقصر بعض عناصر السيناريو، يجمع فيلم "كوتور" بين ملاحظات فريدة عن نساء يسعين لتحقيق طموحاتهن.
تصل المخرجة ماكسين (أنجلينا جولي) إلى فرنسا لإخراج فيلم رعب قصير خلال افتتاح أسبوع الموضة في باريس.
وعندما تُسأل عن معنى الموضة بالنسبة لها، تتبادر إلى ذهنها كلمتا "عديمة الفائدة" و"ضرورية".
فهي ليست معتادة على إسراف هذا العالم؛ فمجالها الإبداعي مُحدد بأفلام الرعب المستقلة منخفضة الميزانية.
لكن لعمل ماكسين جانبٌ خاصٌّ يتماشى مع مدى تمرد الموضة؛ فمشروعها يدور حول مصاصة دماء تنتقم من العنف، وينتهي بصرخة غضب وتحرر.
وبينما يشاهد الجمهور هذا الإنتاج وهو يتبلور وينبض بالحياة، تواجه ماكسين خبرًا يُغير حياتها عندما تُشخص بسرطان الثدي وتضطر للخضوع لعملية استئصال الثدي، ثم تُصارع من أجل إخبار ابنتها بالخبر، بينما تُواجه في الوقت نفسه طلاقًا.
ثاني الملاحظات هي انه يتردد صدى ظهور الروائية والحداثية الفرنسية مارغريت دوراس، كملاحظة جانبية آسرة لفيلم "كوتور ـ Couture " لأليس وينوكور، وهو قصة متعددة الطبقات عن الغضب الفني والتحرر المتداخل في المساعي الإبداعية.
تتشابك القصة بين منظور ماكسين ومنظور عارضة الأزياء الشابة/طالبة الصيدلة آدا (أنيير آني) وخبيرة المكياج/الكاتبة أنجيل (إيلا رومبف).
آدا، عارضة أزياء من جنوب السودان تبلغ من العمر 18 عامًا، اكتشفتها وكالة وعُرض عليها دور البطولة في فيلم ماكسين القصير.
آني، التي تُقدم أول تجربة تمثيلية لها في فيلم روائي طويل، تُقدم أداءاً رائعًا. في افتتاحية عرض الأزياء، وهي تُحدد مسارها، تصل آدا إلى باريس بخبرة محدودة، وهو ما استغلته بعض العارضات الأخريات.
اما الملاحظة الثالثة فخصت تطور شخصية البطلة إلى أحد أكثر المشاهد تأثيرًا في الفيلم: مشهد على منصة عرض أزياء في سعيها وراء الأحلام.
ويتألق الفيلم أيضًا من خلال ملاحظات أنجيل المكتوبة عن الأشخاص الذين تقابلهم، والتي تستخدمها وينوكور كسرد، مُؤكدةً على أهمية وجود منظور أنثوي لسرد القصة.
اما الملاحظة الرابعة فهي حول الرابط الأساسي بين بطلة الرواية وإنجيلينا جولي في الحقيقة، حيث تُقدم أحد أكثر عروضها تأثرًا وتنوعًا في مسيرتها المهنية.
يُجسد الفيلم قصة شخصية عميقة لجولي، حيث توفيت والدتها وجدتها بسبب السرطان.
في عام 2013، خضعت جولي نفسها لعملية استئصال الثديين للوقاية من خطر الإصابة بالمرض.
ولذلك تُضفي تجربتها الشخصية وتاريخ عائلتها سياقًا مؤثرًا على شخصية ماكسين، ناهيك عن قوتها في تناول الموضوع بحساسية عالية.
الملاحظة الخامسة والأبرز تتعلق بروعة التصوير، حيث تتجنب وينوكور بحكمة تعريف الشخصية بالمرض فقط. بل إنها متعددة الجوانب، مفعمة بالحيوية، جريئة، ولديها ميل قوي للرعب.. كما هو الحال مع وينوكور، ولكن في فيلم "كوتور"، تُعدّ الموضة شكلًا قويًا من أشكال التعبير عن الذات. إنها بداية واعدة لحياة جديدة، ونهاية حياة قديمة. إنها الخلفية المحمومة للأزمات الشخصية التي تتقاطع من خلفيات مختلفة. إنها الصناعة السامة التي تُفحص فيها أجساد النساء وتُهمل.
تنظر وينوكور ببراعة إلى ما وراء التألق لتُبرز تجارب النساء في بيئة يُقوّض فيها الرجال مكانتهن باستمرار.
على سبيل المثال، يُوصف منظور ماكسين القوطي بأنه دموي للغاية ومصاص دماء. عندما تختفي خارج موقع التصوير لتحديد موعد مع الطبيب، يُثار التساؤل حول غيابها باستمرار بعد ذلك. تُنظر باستياء إلى ساعة ماكسين الشخصية، كما لو كانت عاجزة عن أداء عملها على أكمل وجه لأنها أضاعت لقطة في موقع التصوير.
لكن هناك جانب ساحر في إخراج وينوكور؛ فهي تنتقل من منظور امرأة إلى أخرى بشكل غير مباشر نوعًا ما.
وبذلك، تكشف عن جواهر الصراع الداخلي لدى الشخصيات التي تخفي الكثير عن حياتها الشخصية لمجرد أداء وظائفها ومواجهة يومها. إنها مشاعر عميقة التأثر، ويمكن رؤيتها على الشاشة بشكل رائع.