هل يُمكن للاستحمام في الظلام أن يُساعد في تصحيح عادات النوم السيئة؟

يلقى الاستحمام في الظلام اهتمامًا متزايدًا في الفترة الأخيرة، بعدما أصبح يُروّج له كوسيلة فعالة لتهدئة الجهاز العصبي وتعزيز الاسترخاء قبل النوم. ويُعرف هذا الطقس البسيط بأنه ممارسة تعتمد على تقليل الإضاءة أو الاستحمام في ظلام شبه تام، بعيدًا عن أي محفزات بصرية أو ضوضاء رقمية، بهدف خلق بيئة حسية هادئة تُمهّد الجسد والعقل للدخول في حالة من السكون.
تقنية مستوحاة من مفاهيم العناية الذاتية القديمة
بحسب خبراء العافية، فإن الاستحمام في الظلام ليس مجرّد ظاهرة حديثة، بل يستند إلى جذور عميقة في مفاهيم العناية الذاتية التقليدية، مثل الأيورفيدا التي اهتمت بمبدأ "الاستحمام الواعي" (سنانا) لأكثر من 5000 عام. ويُنظر إلى هذه التجربة بوصفها طقسًا يعزز التواصل بين الجسد والحواس، ويُعيد التوازن بين العقل والروح.
وتقوم الفكرة على إزالة أكبر قدر ممكن من المحفزات الخارجية، كالضوء الساطع والأجهزة الذكية، ما يُتيح للجسم التفاعل مع العناصر الحسية فقط: حرارة الماء، صوت تدفقه، رائحة منتجات الاستحمام، ولمسة اليد على الجلد. هذا التركيز على الأحاسيس الجسدية يساهم في إبطاء وتيرة التفكير، والتخلص من التوتر الذي يتراكم خلال اليوم.
فوائد مثبتة للنوم والصحة النفسية
من الناحية العلمية، يُشير الأطباء إلى أن الماء الدافئ يُعدّ العامل الرئيسي في تهدئة الجسم قبل النوم، حيث يُساعد في خفض حرارة الجسم الأساسية، ما يُحفّز الشعور بالنعاس. إلا أن تعتيم الإضاءة أو الاستحمام في الظلام يُعزّز هذا التأثير من خلال دعم إفراز هرمون الميلاتونين، المسؤول عن تنظيم إيقاع النوم.
يُؤكد اختصاصيو طب النوم أن التعرّض للضوء الساطع في المساء قد يؤخّر إنتاج الميلاتونين، مما يؤدي إلى صعوبات في النوم. في المقابل، تساعد الأجواء المعتمة في إرسال إشارة إلى الدماغ بأن وقت النوم قد اقترب، ما يُمكّن الجسم من الدخول في حالة استرخاء تدريجية.
إشراك الحواس وسيلة فعالة لتهدئة الذهن
الاستحمام في الظلام يُعزز أيضًا من الوعي الجسدي والتركيز على الحواس الأخرى، مثل الشمّ واللمس والسمع. ويُنصح باستخدام منتجات استحمام تحتوي على روائح مهدئة مثل اللافندر أو البابونج أو خشب الصندل، إلى جانب تشغيل أصوات ماء أو موسيقى هادئة، لخلق بيئة متكاملة تحفّز الراحة النفسية.
يُشير خبراء العناية الذاتية إلى أن هذه الطقوس قد تُساعد على تقليل التفكير المفرط ليلاً، وتحسين الحالة الذهنية، خاصةً لدى من يعانون من القلق أو الأرق. كما أنها تُشكّل بداية إيجابية لروتين مسائي صحي، يمكن دعمه بإطفاء الهاتف، وتقليل الإضاءة في الغرفة، واستخدام تقنيات تنفس عميق قبل النوم.
دليل مبسط لتجربة الاستحمام في الظلام
لمن يرغب في تجربة هذا الطقس، يُوصى باتباع الخطوات التالية:
- خفض الإضاءة تدريجيًا قبل دخول الحمام، أو إطفاؤها تمامًا لخلق جو مريح.
- الابتعاد عن الهاتف وأي أجهزة إلكترونية، وتركها خارج الحمام.
- استخدام شموع صغيرة وآمنة لإضاءة خافتة، دون أن تكون معطرة لتجنب تشويش الروائح.
- اختيار ماء دافئ مع التركيز على ملمسه وصوته ودرجة حرارته.
- استعمال منتجات غنية بالزيوت العطرية الطبيعية مثل اللافندر أو النعناع، والاستنشاق العميق للرائحة.
- تجفيف الجسم برفق بعد الانتهاء، واستخدام كريم مرطب أو زيت للجسم مع تدليك بسيط.
- الحفاظ على الإضاءة الخافتة في باقي المنزل، خاصة غرفة النوم، حتى لحظة الخلود للنوم.
دمج الاستحمام في الظلام ضمن روتين العناية الذاتية
رغم أن هذا الطقس وحده قد لا يحل مشاكل النوم المزمنة، إلا أن دمجه ضمن روتين مسائي منتظم يمكن أن يُسهم في تحسين جودة النوم بشكل عام. تشير التقارير إلى أن العديد من الأفراد الذين واظبوا على الاستحمام في الظلام لفترة أسبوعين، لاحظوا تحسنًا في سرعة الدخول في النوم، وانخفاضًا تدريجيًا في مستويات التوتر قبل النوم.
في ضوء هذه النتائج، يبرز الاستحمام في الظلام كأحد الخيارات البسيطة والمجانية لتحسين الراحة النفسية والنوم، في وقت أصبحت فيه البيئة المحيطة مليئة بالمحفزات الرقمية والضوضاء المستمرة.