ذاكرة الدهون.. لماذا تعود الدهون بعد فقدانها؟

رغم الجهد الكبير الذي يبذله الكثيرون في خسارة الوزن عبر الحميات الغذائية والرياضة، يبقى التحدي الأصعب هو الحفاظ على هذا الوزن. كثير من الناس يلاحظون أن الوزن يعود تدريجيًا، بل وأحيانًا بسرعة أكبر، وغالبًا في نفس المناطق التي فقدوا منها الدهون. فما السبب؟ وهل يعود الأمر إلى الإرادة فقط؟ أم أن هناك تفسيرًا بيولوجيًا أعمق؟
تشير دراسات حديثة إلى أن الخلايا الدهنية في الجسم تحتفظ بما يُعرف بـ"ذاكرة السمنة"، وهي حالة تجعل الجسم مهيأ بيولوجيًا لاستعادة الوزن بعد فقدانه، حتى بعد مرور سنوات على الحمية أو التدخل الجراحي، وفق ما جاء في "livescience."، و"dw"، و"nature".
الخلايا الدهنية لا تنسى "أيام السمنة"
عند زيادة الوزن، لا يزداد عدد الخلايا الدهنية بقدر ما تتوسع هذه الخلايا وتغير طريقة تخزينها للدهون. وعندما يبدأ الشخص في فقدان الوزن، قد تنكمش الخلايا، لكن التغيرات البيولوجية التي حدثت داخلها تظل قائمة.
بحسب دراسة نُشرت في مجلة Nature، فإن الخلايا الدهنية تحتفظ بذاكرة جزيئية للسمنة، حتى بعد فقدان الوزن. هذه "الذاكرة" تجعلها أكثر استعدادًا لتخزين الدهون مرة أخرى، فور توفر الظروف المناسبة، مثل العودة لنظام غذائي غني بالسعرات أو التوقف عن الرياضة.
العودة للوزن السابق: مجرد وقت؟
تقول الدكتورة لورا هينت، الباحثة المشاركة في الدراسة وخبيرة التغذية الجزيئية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ: من المعروف أن الخلايا الدهنية تمر بأزمة هوية خلال السمنة، ويبدو أن هذه الأزمة تستمر حتى بعد فقدان الوزن.
بمعنى آخر، الخلايا التي كانت بدينة تتصرف كما لو أنها مستعدة دومًا للعودة إلى حالتها السابقة، وتقوم بامتصاص الدهون بشكل أسرع عند توفر الطعام الغني بالسعرات.
السبب.. تعديلات فوق جينية
تُعرف هذه التغيرات بأنها "تعديلات فوق جينية" (Epigenetic Modifications)، وهي لا تغيّر تسلسل الحمض النووي نفسه، بل تؤثر على طريقة قراءة الجينات واستخدامها. هذه التعديلات يمكن أن تظل نشطة لسنوات، وتوجه الخلايا لتخزين الدهون بكفاءة أكبر عند أول فرصة.
ويُعتقد أن الخلايا العصبية في الدماغ، المسؤولة عن تنظيم الشهية، قد تتأثر بهذه التعديلات أيضًا، مما يفسر شعور البعض بالجوع والرغبة في الأكل حتى بعد فقدان الوزن.
لماذا يعود الوزن لنفس الأماكن؟
غالبًا ما يلاحظ الناس أن الوزن يعود في نفس الأماكن التي فقدوه منها سابقًا، مثل البطن أو الأرداف. يعود ذلك إلى أن الخلايا الدهنية في تلك المناطق تظل موجودة، حتى بعد فقدان الوزن. صحيح أنها تنكمش، لكنها لا تختفي، وتكون مستعدة للانتفاخ مجددًا عندما تتوفر السعرات.
هل يمكن التخلص من ذاكرة الدهون؟
حتى الآن، لا توجد وسائل طبية مؤكدة لمحْو هذه الذاكرة الخلوية. ومع ذلك، يُعتقد أن الحفاظ على الوزن الجديد لفترة طويلة (عدة سنوات) قد يساعد في تراجع هذه التعديلات الوراثية تدريجيًا.
تشير الدراسات إلى أن الخلايا الدهنية تعيش نحو 10 سنوات، لذا فإن البقاء في وزن مستقر لفترة طويلة قد يُعيد برمجة هذه الخلايا. ومع ذلك، لا يزال الأمر بحاجة إلى أبحاث أعمق.
الرسالة الأهم: ليست المسألة إرادة فقط
قال الدكتور فرديناند فون ماين، أحد مؤلفي الدراسة: تشير نتائجنا إلى أن مقاومة الجسم لفقدان الوزن ليست مجرد مسألة إرادة شخصية، بل ترتبط بآليات بيولوجية عميقة داخل الخلايا.
ما الذي يمكن فعله؟
الحفاظ على الوزن لفترة طويلة: كلما طالت مدة ثبات الوزن، كلما ضعفت الذاكرة الجينية للسمنة.
اتباع نظام غذائي متوازن ومستدام: بدلًا من الحميات القاسية المؤقتة، يُنصح بتغيير نمط الحياة بشكل دائم.
ممارسة النشاط البدني بانتظام: الرياضة لا تحرق الدهون فحسب، بل تُعيد برمجة الجسم للتعامل مع الطاقة بشكل صحي.
الدعم النفسي والسلوكي: لأن العوامل النفسية تلعب دورًا مهمًا في العلاقة مع الطعام.