في ذكرى وفاته..محمد خان صانع البطولات الصامتة والناطق بأسم النساء في السينما

تحل اليوم السبت 26 يوليو، الذكرى التاسعة لرحيل المخرج الكبير محمد خان، أحد أبرز أعمدة الواقعية في السينما المصرية، والذي استطاع خلال مسيرته الفنية أن يمنح الإنسان البسيط وخاصة المرأة صوتا وصورة على الشاشة، من خلال أفلام اتسمت بالصدق، والرؤية الاجتماعية العميقة، والبصمة البصرية الفريدة.
نصير المرأة على الشاشة
منذ بداياته عرف محمد خان بأنه من القلائل الذين أنصفوا المرأة في السينما العربية، ليس فقط بإسناد أدوار البطولة لنساء، بل بتقديم شخصيات نسائية متعددة الأبعاد، حقيقية وغير نمطية.
ظهرت المرأة في أفلامه رقيقة، قوية، هشة، متمردة، حالمة، ومقهورة، وجسدت هذه الأدوار نجمات مثل ميرفت أمين، نجلاء فتحي، نبيلة عبيد، منة شلبي، غادة عادل، وهند صبري، وصولا إلى ياسمين رئيس في آخر أعماله.
بطولات أنثوية تروي الوجع والتمرد
في "زوجة رجل مهم" كانت ميرفت أمين نموذجا لامرأة تسحق تحت سطوة زوجها الضابط، لتبرز صراع المرأة داخل الحياة الزوجية القائمة على القمع.
وفي "أحلام هند وكاميليا"، قدم ثنائي نسائي مذهل من نجلاء فتحي وعايدة رياض، نساء فقيرات في مواجهة واقع قاسي، بينما عبر "الغرقانة" من بطولة نبيلة عبيد عن قمع المجتمع البدوي للمرأة من خلال أسطورة "النحس".
أما "في شقة مصر الجديدة" فرصد رحلة فتاة صعيدية تبحث عن معلمتها في القاهرة، فتعثر على الحب والمعنى، وفي "بنات وسط البلد" صور تفاصيل الحياة اليومية لفتاتين تعملان في قلب العاصمة، لتكون قصتهما مرآة لطبقة تبحث عن الحب والاستقرار وسط زحام المدينة.
وختاما بـ "فتاة المصنع" منح خان المرأة صوتا قويا، رافضا تبريرها أو دفاعها، مؤكدا أن الثقة في النفس أبلغ من أي تبرير.
الواقعية كأداة للوعي وليس مجرد أسلوب
لم يكن خان مخرجا للزينة أو الاستعراض، بل كان يؤمن بأن السينما يجب أن تقترب من الإنسان، تلمس معاناته، وتحترم بساطة أحلامه، لم يعنيه الديكور أو الإبهار، بل كانت التفاصيل اليومية هي كنزه الحقيقي، الكاميرا في أفلامه لا تحكم ولا تتدخل، بل تراقب، تسجل، وتكشف.
محمد خان.. مؤرخ الشارع وصانع الوعي
أفلامه لا تحمل أبطالا خارقين، بل أناسا عاديين ينتصرون على الإحباط، الفقر، والخوف من المستقبل، لا تبحث أفلامه عن نهايات سعيدة تقليدية، بل عن لحظة صدق، أو عن كرامة مستردة وسط واقع قاسي.
من خلال أعماله أصبح محمد خان مؤرخا بصريا للشارع المصري، مؤمنا بأن العظمة تكمن في الإنسان البسيط، وصوت المرأة الضعيف الذي تحول تحت عدسته إلى قوة ناعمة تصرخ في وجه الواقع.
إرث خالد لا ينسى
رغم مرور تسعة أعوام على وفاته في 26 يوليو 2016، لا تزال أفلام محمد خان تدرس وتعرض وتناقش، ليس بوصفها فقط تحفا سينمائية، بل كنماذج حية لسرد الحقيقة بصدق وإنصاف ، لم يكن خان مجرد صانع أفلام، بل كان صانع وعي، وراويا لسير من لا تروى سيرهم في العادة.
رحل محمد خان، لكن صوته لا يزال حاضرا في وجوه النساء في أفلامه، وفي كل شارع ظهر في كادره، وفي كل تفصيلة عادية أصبحت بفضل عدسته.